ديك و دجاجات و صيصان ، في بستان الأمير رعد ابن السلطان ، بعد أن مشوا طويلا بحثا عن الحبوب و الديدان ، أحسوا بالشبع و امتلاء البطون ، فوقفوا فوق مرتفع صغير من الأرض يتسامرون .
مرت قربهم إوزة فضولية فسألتهم :
- ياه..... ديك و دجاجات و صيصان مجتمعون ، عن أي شيء تثرثرون ؟
أجابها الديك غاضبا :
- قفي عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقولي : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون ؟"
اعتذرت الإوزة ثم رددت ما أمرها به :
- الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون !
ابتسم الديك ، و رحب بها قائلا :
- تفضلي ، و معنا احلسي ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق .
ثم مرت بعد دقائق بطة ، استبد بها الفضول حين شاهدتهم يتحدثون ، فسألتهم :
- ياه ..... ديك و دجاجات و صيصان و إوزة مجتمعون ؟ عن أي شيء تثرثرون؟
صرخ في وجهها الديك آمرا :
- قفي عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقولي : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس مع جماعته يتسامرون ؟"
اعتذرت البطة ثم رددت ما أمرها به :
- الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس مع جماعته يتسامرون !
ابتسم الديك ، و رحب بها قائلا :
- تفضلي و معنا اجلسي ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق !
ثم هبط قربهم عصفور ، اجتذبه الجمع فقال :
- ياه .... ديك و دجاجات و صيصان و إوزة و بطة مجتمعون ؟ عن أي شيء تثرثرون ؟
صرخ الديك في وجهه آمرا :
- قف عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقل : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون ؟"
فاعتذر العصفور ثم قال :
- الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون !
ابتسم الديك ، و رحب به قائلا :
- شرفتنا ، إجلس معنا ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق !
ثم هبط إلى جوارهم غراب أسود ، نظر ناحيتهم ثم قال :
- ياه .... ديك و دجاجات و صيصان و إوزة و بطة و عصفور ، كلكم مجتمعون ؟ عن أي شيء تثرثرون ؟
صرخ في وجهه الديك آمرا :
- قف عندك ، قطع الله لسانك ، لماذا لم تقل : " الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون ؟"
فاعتذر العصفور ثم قال :
- الشيخ حيدر ، ذقنه بيدر ، جالس هو و جماعته يتسامرون !
ابتسم الديك ، و رحب به قائلا :
- شرفتنا ، إجلس معنا ، فمكان الضيق يتسع لألف صديق !
*****
بينما هم يتعارفون و يتسامرون ، إذا بشبكة تُلقى فوقهم و بأسرها يقعون ، حاولوا التملص من خيوطها دون جدوى ، فالأمير رعد ابن السلطان الذي كان يتسلى بمتابعة أحاديثهم ، قد أحس بالجوع ، فقرر أن تكون وجبته من الطيور .
أمسك بالديك ، خلصه من الشبكة ، و نادى عبده (مسعود) ليحضر السكين و يذبحه ، فصرخ الديك باكيا متوسلا و هو يقول :
- سيدي ، أنا من يجعلك كل صباح تنهض من نومك العميق لأداء صلاة الفجر ، فلحمي سينفعك لأيام أما صوتي فسيفيدك على الدوام ...
اقتنع رعد إبن السلطان بكلام الديك فسرَّحه إلى البستان .
أمسك الآن بالدجاجات فأخرجهن واحدة إثر الأخرى من خيوط الشبكة ، و إذ هم عبده مسعود أن يبتدئ بذبح أكبرهن سنا ، صاحت باكية متوسلة و هي تقول :
- سيدي ، نحن من نقدم إليك كل يوم طبقك المفضل من البيض الطازج ، تأكله مقليا أو مسلوقا أو مشويا ، أو تصنع منه العجة أو الطاجن و أطيب الكيكات و الفطايرات ، أرجوك حافظ على حياتنا لنحافظ لك على غذائك الذي تحب ، أما هؤلاء الصيصان فهم فلذات أكبادنا و ليس فيهم في هذا العمر غير العظام ، سرحنا و سنيقى طول العمر نقدم لك البيض الطازج .
ضحك رعد ابن سلطان ، ثم سرح الدجاجات و الصيصان إلى البستان .
أمسك الآن يالإوزة فخلصها من خيوط الشبكة ، ثم ناولها لعبده مسعود ليذبحها ، فصرخت نائحة و هي تقول :
- سيدي ، أنا و أخواتي الإوزات و صديقتي البطة و أخواتها البطات ، ننظف لك البحيرة من الديدان و الطفيليات ، و نقدم لك كل يوم عرضا شيقا من الرقص فوق الماء ، نسري به عن هموموك و نسليك في أوقات فراغك ، أطلق سرحنا و سوف نزيد ساعات عروضنا ، فنزيدك متعة و سرورا .
ضحك الأمير رعد مقتنعا بما قالته الإوزة ، ثم سرحها و صديقتها البطة .
أمسك الآن بالغراب ، فبكى و ناح و هو يقول :
- سيدي ، إن لحمي أزرق و مر الطعم ، ثم إن كتبكم تقول أن الغراب مصدر شؤم ، فسرحني ياسيدي قبل أن يصيبك بسببي أي مكروه أو يلحق بك خراب .
ضحك رعد إبن السلطان ثم سرح الغراب .
لم يبق في الشبكة الآن غير العصفور ، الذي زقزق و بكى ، ثم ناح و شكى ، و هو يقول :
- سيدي ، أنا صغير ضئيل و لحمي قليل قليل ، و لن أشبعك إذا أكلتني ، أرجوك سرحني كما سرحت من سبقني !
ضحك رعد إبن السلطان ، ثم قال له :
- إلا أنت يا عصفور ، أنت صغير صغير ، و لكن قيمتك أفضل من بعير .
ثم التفت إلى مسعود آمرا :
- إنتف ريشه ، فسوف آكله نيئا بعراميشه* ..
*****
انتصبت مائدة العَشاء ، بما لذ و طاب و راق ، و بعد أن تناول العسل و القشدة و الخبز الرقاق ، بالزيت و الزعتر بالسماق .
و قبل أن يشعر بالامتلاء ، قدم له عبده مسعود طبقا مغطى ، ما أن رفع غطاءه حتى وجد العصفور لا يزال حيا منتوف الريش، فقذفه إلى فمه لقمة واحدة ، و إذ هم بمضغه أصابته حزقة* مفاجئة ، فانزلق العصفور إلى جوفه ، مسببا للأمير غصة كادت تخنقه ، لولا أن تخلص منها بشرب كمية كبيرة من الماء .
ثم أحس الأمير رعد إبن السلطان بالحاجة إلى القيلولة ،توجه إلى فراشه الوثير ، و قبل أن يتمدد فوقه أحس فجأة بالغثيان ، فهُرع إلى الحمام ، ملقيا ما بجوفه دفعة واحدة ، و إذا بالعصفور المنتوف يخرج مع ما أخرجه الأمير من قاذورات معدته ، و قبل أن يتمكن من الإمساك به ، حلق عاليا و هو يزقزق فرحا ، ثم وقف على حافة إحدى النوافذ العالية ، و هو يقول للأمير شامتا متشفيا :
- انا عصفور صغير و لكن فعلي كبير ، إن كنت فعلا أمير ، إمسكني و أرني الشطارة كيف تصير .
حاول الأمير و عبده مسعود و عبيده الآخرون ، أن يمسكوا به ، و لكنه كان ينسل من بين كل ما استخدموه من أدوات كما ينسل الماء من بين الشقوق، ثم اكتشف نافذه مفتوحة فتوجه نحوها ثم انطلق بعيدا عن القصر .
*****
عندما اقترب المساء أحس العصفور المسكين ، الذي اصبح بدون ريش يكسو جسمه ، أحس بالبرد ، فتوجه إلى البومة الحكيمة مستنجدا مستشيرا ، و بعد أن أدى التحية بكل احترام ، خاطبها قائلا:
- أيتها البومة يا حكيمة الطيور ، أنا عصفور بن عصفور ، أوقعني سوء الطالع ، بيدي من كان بلحمي طامع ، و لكن بقدرة رضا الوالدين ، و إيماني بالشهادتين ، تمكنت من الخلاص ، من سجن مبطن بالرصاص ، إلا أنني فقدت ريشي فأنا بردان ، فماذا تقترحين يا حكيمة الزمان ؟
أجابته البومة الحكيمة :
- إبحث عن خياطة اسمها أم الخير ، فهي تحب عمل المعروف و صنع الخير !
و ظل العصفور يسأل هنا و هناك ، إلى أن اهتدى إلى بيت الخياطة أم الخير ، فوقف على نافذة غرفتها و أخذ يزقزق ، التفتت أم الخير نحو العصفور ، ففرحت بوجوده و رحبت به ، لأنها تحب الطيور ، فسألته :
- ما سبب الحضور ، يا أحلى الطيور ؟ فأجابها :
- يا خالتي أم الخير ، سمعت أنك تحبين عمل المعروف و صنع الخير ، لقد أوقعني سوء الطالع ، بيدي من كان بلحمي طامع ، و لكن بقدرة رضا الوالدين ، و إيماني بالشهادتين ، تمكنت من الخلاص ، من سجن مبطن بالرصاص ، إلا أنني فقدت ريشي فأنا بردان ، فهلا خيطت لي ثوبا من القطن أو الكتان .
ضحكت أم الخير ، ثم قدمت له بعض الحبوب و بعض الماء ، و بينما كان يزدرد الحبوب و يشرب الماء ، كانت أم الخير تخيط له بنطالا و معطفا ، كما خاطت له قلنسوة يدفئ بها رأسه ، جربها فكانت مناسبة لمقاسه ، فاقترب فجأة من يد أم الخير فلثمها شاكرا ، بينما كان يزقزق فرحا ، ثم ودعها و انطلق يركب الرياحَ .